غالبًا ما يتم الترويج للبيتكوين، كغيره من العملات الرقمية، كأداة للحماية من التضخم، وخاصة في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي. مع تزايد عدد المستثمرين والشركات التي تفضّل البيتكوين على الأصول التقليدية، يتساءل العديد من الأشخاص عما إذا كانت هذه العملة الرقمية فعلاً تستطيع أن تكون بمثابة "الذهب الرقمي" الذي يحافظ على القدرة الشرائية للأموال. لنستعرض فيما يلي ما إذا كان البيتكوين يُعتبر فعلاً وسيلة فعّالة للحماية من التضخم أو أن هذه مجرد فكرة مبالغ فيها وغير مدعومة بالواقع الاقتصادي.
التضخم هو الارتفاع المستمر في مستوى الأسعار العامة للسلع والخدمات في الاقتصاد. وفي حدود معقولة، يُعتبر التضخم مفيدًا لأنه يحفز النشاط الاقتصادي، لكن عندما يرتفع التضخم بشكل كبير أو يكون غير مسيطر عليه، يؤدي ذلك إلى انخفاض القوة الشرائية للعملات، مما يقلل من قيمة المدخرات ويزيد من حالة عدم الاستقرار الاجتماعي.
عادةً ما تقوم البنوك المركزية بإدارة التضخم من خلال السياسة النقدية، بالتحكم في عرض النقود وأسعار الفائدة. ومع ذلك، في حالات الأزمات، عندما تقوم الحكومات بطباعة الأموال لتحفيز الاقتصاد كما حدث في السنوات الأخيرة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم بشكل حاد وتدهور قيمة العملات الوطنية.
تم تصميم البيتكوين منذ نشأته كعملة لامركزية لا تخضع للمؤسسات المالية أو السياسات الحكومية. ويُحدد العدد الإجمالي للبيتكوين بـ 21 مليونًا كحد أقصى، مما يجعله مختلفًا تمامًا عن العملات الورقية التي يمكن إصدارها بكمية غير محدودة.
لذلك، يُقارن البيتكوين غالبًا بالذهب الذي يتميز أيضًا بمحدودية إنتاجه ويُستخدم تقليديًا كأصل آمن. ويُعتقد أن البيتكوين يتمتع بخصائص "مضادة للتضخم"، حيث لا يمكن "طباعته" بشكل مفرط كما هو الحال مع النقود الورقية التي تطبعها البنوك المركزية.
العرض المحدود: كما ذكرنا، العدد الإجمالي للبيتكوين محدد بـ 21 مليون، مما يجعله أقل عرضة للتضخم المرتبط بزيادة المعروض النقدي.
الاستقلال عن الحكومة: البيتكوين لا يعتمد على اقتصاد دولة معينة ولا يخضع لسيطرة المؤسسات المالية، مما يجذب من يخشون من قرارات الدولة التي قد تؤثر سلباً على مدخراتهم.
سهولة النقل والتخزين: على عكس الذهب، الذي يتطلب تخزينًا ماديًا ويصعب نقله، يمكن تخزين البيتكوين في محفظة رقمية ونقله إلى أي مكان في العالم خلال دقائق.
اهتمام الشركات الكبرى والمؤسسات: في السنوات الأخيرة، بدأت شركات كبرى ومستثمرون مؤسسون، مثل Tesla وMicroStrategy وحتى بعض المنصات مثل https://egyptonex.com، بالاستثمار في البيتكوين كجزء من استراتيجيتها للتحوط ضد التضخم، مما عزز من الثقة في البيتكوين كأصل مقاوم للتضخم.
بالرغم من هذه المزايا، لا يمكن للبيتكوين حاليًا أن يحل محل الأصول التقليدية للحماية من التضخم بشكل كامل. فيما يلي بعض الأسباب:
التقلب الشديد: يمكن أن يتغير سعر البيتكوين بنسب كبيرة خلال فترة قصيرة، مما يجعله أصلاً غير مستقر إلى حد كبير ويحد من قدرته كوسيلة موثوقة لحفظ القيمة.
الاعتماد على الطلب: تعتمد قيمة البيتكوين فقط على العرض والطلب، وفي حالات الذعر الجماعي أو الأزمة الاقتصادية، قد ينخفض سعره بشكل حاد، حيث يفضل المستثمرون أصولًا أكثر استقرارًا مثل الذهب أو الدولار.
مخاطر تنظيمية: على عكس الذهب، لا يُعتبر البيتكوين عملة قانونية في العديد من الدول، وأي تغيير في التشريعات أو فرض قيود شديدة من الحكومات قد يؤثر سلباً على قيمته وشعبيته.
عدم وجود تاريخ طويل: البيتكوين موجود منذ أكثر من عشر سنوات بقليل، وهذه الفترة غير كافية لتقييم خصائصه الوقائية ضد التضخم في ظل أزمات تضخمية حادة، خاصةً عند مقارنته بالذهب الذي يُعتبر ملاذاً آمناً منذ آلاف السنين.
من الجدير بالذكر أن البيتكوين يساعد فعلاً بعض الأشخاص في البلدان ذات التضخم المرتفع. في دول مثل فنزويلا والأرجنتين، حيث تتدهور قيمة العملات الوطنية بشكل كبير، أصبح البيتكوين وسيلة لحفظ المدخرات بالنسبة للكثير من المواطنين. وتكمن فائدته بشكل خاص في الحالات التي تشهد تضخمًا مفرطًا وتقييدًا للوصول إلى العملات الأجنبية.
قد يكون البيتكوين وسيلة مفيدة للحماية من التضخم في ظروف معينة، مثل البلدان التي تعاني من عملات غير مستقرة أو للراغبين في تخزين الأموال لفترة طويلة في ظل التضخم. ومع ذلك، فإن تقلبه الشديد واعتماده على الطلب وعدم اليقين من حيث التنظيم لا يسمحون لنا باعتباره بديلاً كاملاً للأصول الدفاعية التقليدية مثل الذهب أو السندات الحكومية.
في النهاية، قد يصبح البيتكوين "ذهباً رقمياً" بمرور الوقت، لكن حتى الآن، يبقى ذلك مجرد حقيقة جزئية. وينبغي على المستثمرين أن يأخذوا المخاطر بعين الاعتبار وأن يدركوا أن البيتكوين لا يزال غير قادر على استبدال الأدوات التقليدية للحماية من التضخم، خاصة على المدى القصير.